لا يزال المشهد الانتخابي غامضاً رغم الحديث عن مرحلة جديدة في مقاربة اقتراحات قوانين الانتخاب، فهناك مَن يسعى إلى طيّ صفحة وفتح صفحة جديدة.
الاقتراحات الثلاثة التي عولجت تعرّضت لفيتوات.
اعترض التيار الأزرق على تقسيم لبنان 13 دائرة على أساس النسبية، وبطبيعة الحال على أية صيغة نسبية مع دوائر كبرى، بل إنه رفع الفيتو في وجه أيّ قانون انتخابي يستند إلى النسبية فقط.
وسجّل تيار المستقبل رفضه أيضاً للنسبية المقيّدة التي يُعبّر عنها بصيغة التأهيل على مستوى القضاء والانتخاب النسبي على مستوى المحافظة أو الدوائر الوسطى، علماً أنّ "المستقبل" التزم طويلاً المنطق الرمادي تجاه هذه الصيغة مراهناً على استمرار الخلاف حول نسبة التأهيل أو عدد المؤهلين.
أما الصيغة الثالثة المعروفة بالصيغة الباسيلية للمختلط، فاعترض عليها الثنائي الشيعي (حزب الله – حركة أمل). وتقوم هذه الصيغة على عتبة تأهيل 65% للتصنيف ما بين أكثري ونسبي.
استهلكت الاقتراحات الثلاثة أكبر قدر من النقاش والمعالجة في إطار الرباعية وفي إطار الاجتماعات الثنائية والثلاثية الجانبية التي شهدتها المرحلة الماضية. وبالتالي، فإنّ اجتماعات الأيام الثلاثة الماضية التي رعى الرئيس سعد الحريري جانباً منها، لم تفضِ، بحسب ما علمت "البناء" إلى أية حلحلة في النتائج المرجوّة. لذلك بقيت الأمور على حالها.
تعيد القوى المختلفة اليوم تقويم المشهد برمّته أملاً بجولة حوار جديدة، ما يعني أنّ الأيام الراهنة هي أيام ركود في النقاش الانتخابي مع شيء من التريّث لتحديد أطر متابعة الملف في المرحلة الثانية. من سمات هذه المرحلة، ربما، نقل الموضوع الانتخابي إلى مجلس الوزراء، وتخصيص جلسات مفتوحة بعد الانتهاء من مناقشة الموازنة، على أن يبقى للجنة الرباعية أو للقاءات الثنائيّة والثلاثيّة دورها المؤازر لما سيقوم به مجلس الوزراء.
وسط هذا المشهد، يسعى حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل والحزب التقدّمي الاشتراكي إلى تعويم صيغة المختلط. لكن الأكيد أنه لن يكون بمقدور المشروع الثلاثي القائم على انتخاب 68 نائباً على أساس الأكثري و60 نائباً على أساس النسبي أن يكون الحلّ المرجوّ، بل هو شيء آخر.
ويفهم أيضاً من ورقة الأفكار التي قدّمها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط لرئيس المجلس النيابي نبيه بري أنّه جاهز للسير بالمختلط، علماً أنّ ورقة التقدمي الاشتراكي اقتصرت في تصوّرها على ما يتّصل بالجبل، إذ طالبت بالشوف – عاليه دائرة واحدة من 13 مقعداً على أن تتوزع المقاعد على أساس 7 أكثري و6 نسبي.
أغفلت ورقة "بك المختارة" أيّة تصورات أخرى في ما يتعلق بالدوائر الباقية، ما يعني أنّ جنبلاط وكأنه يقول "أعطوني هذه الخصوصية في الجبل وفصّلوا ما شئتم في الدوائر الأخرى". فهو أعلن أول أمس أنّ "النسبية في النظام الطائفي لا معنى لها".
على ضوء ذلك، يُطرح سؤالٌ يتعلّق بمواقف القوى الأخرى من المختلط؟ علماً أنّ لرئيس المجلس تصوّره للمختلط القائم على انتخاب 64 نائباً وفق الأكثري و64 نائباً وفق النسبي، وللتيار الوطني الحر تصوّره، بالإضافة إلى أفكار أخرى يُقال إنها تفيد المختلط ويجب استحضارها في اللحظة المناسبة.
موقف حزب الله واضح من صيغة المختلط. في اجتماعات اللجان العديدة (التواصل، المشتركة، والرباعية) التي شُكّلت لمناقشة القانون الانتخابي، كانت حارة حريك تتعاطى إيجاباً مع صيغة بري من دون الموافقة عليها، في حين أنها شنّت هجوماً عنيفاً على الصيغة الثلاثية، خلال اجتماعات هيئة الحوار الوطني في عين التينة.
فهل تطغى هذه المناخات على المرحلة الجديدة أم أنّ القوى المؤيدة للنسبية الكاملة من حزب الله إلى التيار الوطني الحر، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وحركة أمل، والرئيس نجيب ميقاتي إلى بعض القوى الوطنية الأخرى، ستجمع طاقاتها وقدراتها، فتخوض فرصتها الأخيرة لإنقاذ النسبية الكاملة.
أظهرت سلسلة المخاضات والتجارب حقيقة موقف كلّ طرف. فالمساعي لم تكن باتجاه البحث عن قانون من قبل بعض المعنيين بالدفاع عن قانون الستين وإبقاء توازناته، إنما لعبة إعاقة وتفاوض لأجل التفاوض ومحاولات تشاطر.
وأمام مشهد التلبّد السياسي السائد في البلد، ليس على خلفية قانون الانتخاب فحسب، إنما على خلفية مناخات قد تطيح بكلّ الانسجام المرافق لتشكيل الحكومة الحالية، تحدثت أوساط سياسية عن سيناريوين للمرحلة المقبلة:
السيناريو الأول يقول إنّ التمديد للمجلس النيابي لسنة واحدة وارد، شرط أن تتفق القوى السياسية في المجلس وتصوّت لصالح التمديد.
السيناريو الثاني يغمز من قناة توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وإجراء الانتخابات وفق القانون النافذ، بالتزامن مع دعوة هيئة الحوار للاجتماع برئاسته من أجل التوصل بشكل قاطع وحاسم ونهائي للتوافق على قانون انتخابي جديد، وفي الوقت نفسه يلتزم مجلس الستين المنتخب بحلّ نفسه في حال التفاهم.
لكن، المؤكد أنّ الرئيس عون في تاريخه الحديث وما قبل الحديث لم يتراجع عن أيّ طرح ألزم نفسه به.
وضع الستين تحت التراب. مات وشبع موتاً، كما أكد يوماً الرئيس برّي. لكن أحد السياسيين الظرفاء يقول إنّ الستين سيستيقظ مثل الـ"zombie" ويأكل أحلام اللبنانيين الذين أهالوا عليه الكثير من اللعنات والشيطنات.